الاغتيال المعنوي لضحايا القتل بين الخلل المجتمعي ومحاولة الإفلات من الإعدام

الاغتيال المعنوي لضحايا القتل بين الخلل المجتمعي ومحاولة الإفلات من الإعدام

تداول العالم مفهوم "اغتيال الشخصية" في ثلاثينيات القرن الماضي، والاغتيال هنا معنوي، فلا يشترط فيه إطلاق النار على الهدف أو دهسه بالسيارة أو إشعال النار فيه على سبيل المثال، وإنما هو قتل من نوع آخر يستهدف تشويه السمعة، بزرع الشائعات وتعزيزها، والتلاعب بالمعلومات، بغرض التشهير والرفض المجتمعي ويمكن أن تستمر تلك الأضرار لآخر العمر وربما لتقليل عقوبة أو الإفلات منها.

تلك النظرية دائما ما كانت تُستخدم مع الرموز التاريخية، أو مع مؤسسة أو منظمة أو مجموعة اجتماعية أو كيانات سياسية متناحرة وربما دول.

لكن مؤخرًا وفي تطور يستحق الدراسة، استطاع الأفراد ممارسته تجاه بعضهم البعض، وليس أدل على ذلك مما حدث في مصر مؤخرًا إزاء مقتل الإعلامية شيماء جمال على يد زوجها المستشار بإحدى الجهات القضائية، وكذلك ذبح الطالبة نيرة أشرف على يد زميلها محمد عادل.

في الحالتين السابقتين استخدمت السوشيال ميديا كمنصات تقذف لهبها وتبرر للقتلة جرائمهم، بل أضحت دعاوى القتل البطل الرئيسي للمشهد، خاصة أن الضحايا إناث لا يرتدين الحجاب.

مزاعم لوم الضحية واغتيالها جاءت تحت دعاوى أن الجريمة حدثت بدافع الدفاع عن النفس، وجاء في التحقيقات على لسان القتلة ما من شأنه أن يضرب سمعة الضحية مثل أن نيرة كانت تستغل ذابحها، وأن شيماء ابتزت قاتلها وصورت لهما فيديوهات جنسية بهدف الحصول على أموال طائلة منه.

الأمر لم يقف فقط عند حد تبريرات القتلة، بل كان هناك تضامن من كثيرين من المتفاعلين على السوشيال ميديا.

لوم الضحية ونظرية كبش الفداء

أوردت تقارير صحفية أن بعض الدراسات أوردت ما يسمى بـ"نظرية كبش الفداء"، والتي تُشير إلى أن إلقاء اللوم على الضحية، والذي يتفاقم بسبب إسقاط الشعور بالذنب، اللاواعي عادة، الذي يمارسه المحبطون بحق أناس بعينهم. 

هل وجدت نفسك من قبل تصف مجموعة كاملة، ربما سكان بلد ما بالكامل، بصفة سلبية مُعينة وتُعممها عليهم جميعا، بل وإذا حدث لهم أمر سلبي أو حادث عنيف ما فإنك تُبرره بهذه الصفة التي تجعلهم، في نظرك، يستحقون ما وقع لهم؟ حينما يموت شعب ما بسبب الجوع الناتج عن حرب أهلية مثلا، سيقول البعض إنهم يستحقون ذلك لأنهم منذ البداية تورطوا في خيارات خاطئة. 

ويرى بعض علماء النفس منهم "جوردون ألبورت" و"برنارد كرامر" أن شيوع "القوالب النمطية" السابق ذكرها وتعميمها على المجتمع ككل هو مظهر آخر من مظاهر ميول عقلنة العنف، فالقوالب النمطية هي أدوات ترشيد فعالة تعمل على إضفاء الشرعية على العداء أو العنف الموجه ضد الأشخاص أو ربما ضد مجموعات اجتماعية بأكملها.

محاولات لإسقاط الإعدام

قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، طه أبوحسين: "إن القتل المادي إجرام وليس بعده قتل، ما يشيعه القتلة من شائعات من شأنها المساس بسمعة الضحية، هي مجرد محاولات بائسة لتقليل العقوبة والخروج من القضية بأقل ضرر، هي محاولات لإفساد القضية وإسقاط حكم الإعدام، لكن ما نحن متأكدون بشأنه وكذلك القضاء أن القتل عمد وبدم بارد خُطط له وتربص للضحية ونفذ ما عزم عليه، فليس بقتل عفوي أو خطأ، من يدعمون القتلة "كلام فاضي" ولا أدعم تلك التوجهات إطلاقًا".

وعن الأسباب الاجتماعية لهذا التعاطف قال: "إن ما يحدث مجرد تأثرات وتوجهات عاطفية، ولو حدث هذا مع ذويهم لكان لهم رأي مختلف تمامًا حتى لو كان القتلُ قتلَ خطأ".

وأضاف أن ذلك بسبب عدم وجود ثقافة عادلة في المجتمع، إذ يتم توجيههم عاطفيًا، وهذه إحدى جرائم الإعلام بمفهومه الأوسع من "سوشيال ميديا" والتي أصبح لها تأثير قوي على الرأي العام، ما يحدث ليس من باب العدل أو المنطق، من يدعون أن الضحية فاسدة أخلاقيًا، على فرض أن ذلك صحيحًا وهو ليس بصحيح، هل يكون الجزاء القتل؟ مستحيل، وهل السارق جزاؤه القتل؟ كل ذنب له جزاء وينفذه القانون حتى لا نتسبب في فوضى، "مال الناس ومال أخلاق الضحايا، وأين البينة وحتى في حالة وجود البينة".

وتابع: "ما السلطة التي يمتلكها القاتل تخوله قتل الضحية؟ لا شيء، هو مجرم في عين القانون والمجتمع، يجب وضع الأمور في سياقها الصحيح وأن يتعلم الناس كيف ترى القضايا ولن يكون عادلاً إلا بتوجه مادي وليس عاطفيًا، وهناك مبدأ قضايا ينص على أن القاضي لا يجوز له أن يحكم برؤيته الشخصية، بمعنى أنه حتى لو كان حاضرًا لحادثة القتل لا يمكنه الاكتفاء بمشاهدته دون اعتبار القرائن والأدلة، ليس من حقه ذلك".

آراء انفعالية عاطفية

قال الاستشاري النفسي، جمال فرويز: "إن ما يحدث عبر السوشيال ميديا لا يعبر عن المجتمع المصري، الأمر نفسه حدث مع ثورة يناير، الميدان لم يحدد مستقبل بلد، والسوشيال ميديا ليست معيارًا، ما نراه هي مجرد آراء انفعالية اندفاعية لبعض الأفراد".

وأضاف: "القاتل له مطلق الحرية في قول أي شيء للدفاع عن نفسه، ولن يفرق معه هو فقط يفكر في إنقاذ نفسه من الإعدام، فيقول أي شيء من شأنه مساعدته في النجاة، وليس بعيب.. العيب في من يكررون الشائعات نفسها ويتعاطفون مع القاتل، هذه جرائم قتل مكتملة الأركان، هل صحيح أن نقتل الفتاة مرة ثانية نفسيًا بعد الوفاة".

وتابع: “بعض الناس يريدون بث الفتنة داخل المجتمع، عن طريق تقسيم الشعب وإلقاء الشائعات عن طريق الكتائب الإلكترونية، يريدون استغلال أي حادث حتى يثور الناس وعمل فرقعة مجتمعية لتشرذم المجتمع وفك وحدته”.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية